والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن فهم كتاب الله عز وجل هو الواجب الأول على كل مسلم بلا شك. كيف يمكن أن نكون عبدًا كما أحب الله تعالى بدون فهم القرآن؟ وكيف يمكن للمرء أن يدخل سبيل التقوى بدون أن يمسك به؟ بناء على هذه الحقيقة، نحن حاولنا أن نفهم القرآن منذ سنوات عديدة. ورأينا اليوم أنه من المناسب أن ننشر تفسير سور الفاتحة والبقرة وآل عمران التي هي من محصولات هذا العمل. ووفقنا على ذلك في عام ١٤٤١ للهجري، بين ٢٤ جمادى الآخر-٢٤ رمضان (عام ٢٠٢٠ للميلادي بين ١٨ فبراير-١٧ مايو) في الموسم المبارك المعروف بين العوام الأشهر الثلاثة، خلال الوقت الذي اضطر فيه جميع الناس للعيش في منازلهم بسبب تفشي فيروس كورونا. الحمد لله!
على وجه الخصوص يجب أن نذكر؛ نحن لم نشرع في عملنا هذا بحيث قد يكون لنا تفسير، ولكن دخلنا إلى هذا الطريق لنفهم القرآن، ولنفهمه للآخرين، وليكون هذا العمل زادا لنا في الآخرة.
وقد استفدنا في تفسيرنا الذي نسميه “نور العينين” من العشرات من كتب التفسير، وراجعنا في كتب العلوم السائرة مثل الحديث، والسير، والفقه. وفي نهاية بحثنا رأينا عين اليقين أنّ كل واحد من كتب التفسير يحتوي على بيانات مفيدة لا توجد في غيره، كما رأينا أنه لا يوجد تفسير واحد يكفي لفهم القرآن وحده. وفي النهاية، كل مفسر يبذل جهدًا فرديًا لفهم القرآن، فتارة يصيب وتارة يخطأ. وينطبق هذا الشأن على دراستنا؛ لأنه في أساسها عقلنا، وفهمنا، واحتياجاتنا. وكل هذه كانت مؤثرة في ترجيحاتنا بين الآراء التي توجد في التفاسير، كما ترى في المفسرين الآخرين … لذلك لا ندعي بأننا وصلنا إلى النقطة الأخيرة في تفسير هذه السور. في الواقع، تتكون هذه الدراسة من المعلومات التي اخترناها من التفاسير القديمة والجديدة في إطار معرفتنا ومعاييرنا العلمية. ومساهمتنا الشخصية فيه عبارة عن ترجيحتنا وعناويننا في الغالب.
ويمكننا أن نقول ما يلي حول نطاق تفسيرنا وميزاتها:
١. في هذه الدراسة قمنا بتفسير سورة البقرة وسورة آل عمران، وأضفنا مبدأها تفسير سورة الفاتحة. وحَثَّنَا على هذه الدراسة -بالإضافة إلى رغبتنا في فهم القرآن وتعليمها- قول النبي صلى الله عليه وسلم في هاتين السورتين: “اقْرَءُوا الْقُرْآنَ؛ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ. اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ -الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ-؛ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ، أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا. اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ؛ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلاَ تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ.” قَالَ مُعَاوِيَةُ: بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ: السَّحَرَةُ. (مسلم، ٨٠٤).
٢. حاولنا فيه أن نوضح معاني الآيات من حيث اللغة، ثم فسرنا الآيات بالآيات والأحاديث. ونقلنا ما نعتقد أنه مفيد من روايات أسباب النزول. وعند الحاجة نقلنا بعض الروايات الأخرى من مصادر الحديث. ولقد بذلنا جهدنا لأن لا ننقل معلومات غير موثقة مثل الإسرائيليات الموضوعة. ومع ذلك، لم نتردد في الاقتباس مباشرة من الكتب المقدسة لليهود والمسيحيين من أجل تفهيم الموضوع في الآيات اللتي تتعلق بتاريخ الأديان. وقد استكملنا المعلومات الفقهية من كتب الفقه؛ لأن المعلومات الواردة في كتب التفسير في آيات الأحكام غير كافية. وفسرنا الآيات مختصراً في الغالب، ومطولاً إذا القتضى. وحجم تفسيرنا متوسط.
٣. وقد استفدنا في عملنا هذا من كتب المفسرين القديمة والحديثة. لا سيما من النسفي، والرازي، والقرطبي من القديمة؛ وابن عاشور، ورشيد رضا، وطنطاوي، والزحيلي، والصابوني من الحديثة. وبالإضافة إلى هؤلاء استفدنا من آراء سائر المفسرين مثل الطبري، والبيضاوي، والبرسوي من المتقدمين؛ ومثل الشوكاني، والآلوسي، وأبو زهرة، وعزت دروزة من المتأخرين. وحاولنا أن نأخذ الحق حيث وجدناه من غير تعصب كما ترى في البيضاوي والنسفي في نقل العبارت من الزمخشري المعتزلي، وفي الرازي من أبي مسلم المعتزلي.
هذا الكتاب هو أول كتاب في مشروعنا الشخصي المكون من خمسة كتب بعنوان “سلسلة الكتب المختصرة في العلوم الإسلامية”. وفي نطاق هذا المشروع قمنا بتأليف الكتب التي لا تتجاوز أحجامها ٣٠٠ صفحة في مجالات التفسير، والحديث، والكلام، والفقه، والسير. هدفنا هنا؛ إنشاء المتون التي تحتوي على المعلومات الأساسية اللازمة لكل طالب العلم، وتبعد عن الخرافات والمعلومات التي لا حاجة إليها اليوم، وتسهل فهمها، ويمكن للمدرس تعليمها لطلابه في سنتين. وهذه السلسلة هدية مني إلى الأمة التي حاولت إبقائها حية دائما في قلبي.
ومن الله التوفيق…
عزير طورمش